انخفاض أسعار النفط بين فائدة المستهلك ومخاطره على الاقتصاد الدولي

{

 قد يتبادر للذهن عند انخفاض أسعار النفط بأن ذلك جيد للمستهلك، وهذا فعلاً شيء حقيقي عدما تنخفض الأسعار ضمن مستويات منطقية. لكن، عندما يزيد الأمر عن الحد في الانخفاض وبشكل مفاجئ وسريع، فقد يكون ذلك غير جيد تجاه الاقتصاد الدولي.

انخفاض أسعار النفط قد يكون إيجابي للمستهلك، وذلك لأنه يخفّض الإنفاق المطلوب على الطاقة، وبالتالي يستطيع المستهلك أن يتجه إلى سلع أخرى لتوفير الحاجات الأساسية. لكن في نفس الوقت، المستويات السعرية الحالية التي وصلها سعر برميل النفط تعتبر خطيرة على العديد من الدول التي تعتمد في اقتصادها على صادرات النفط.

ربما ليس كل الدول تأثر انخفاض سعر برميل النفط عليها متساو، فهنالك دول مثل المملكة العربية السعودية لديها احتياطيات كبيرة من النقد والفوائض في الموازنة مما يسمح لها في تجنّب الانهيارات الاقتصادية، وأن يبقى الاقتصاد متماسكاً. لكن حتى المملكة العربية السعودية، فقد تسبب انخفاض الدخل فيها من عوائد النفط بقرارات حكومية تجاه ترشيد الإنفاق العام إلى جانب استخدام الضرائب وفرضها على العديد من السلع، كذلك الاتجاه نحو خفض الدعم الحكومي على النفط.

التأثير على الدول الناشئة وشركات التنقيب واستخراج النفط
من هنا، نلاحظ بأن انخفاض أسعار النفط له مضار على دول عديدة، وتحديداً الدول الناشئة. القلق تجاه النمو في الاقتصاد الصيني هو السبب الرئيسي وارء انخفاض أسعار برميل النفط بحسب النظرة الاقتصادية، ونجد سعر برميل النفط وقد انخفض اليوم ليصل مستويات متدنية، وقد استقر سعر برميل النفط الأمريكي الخفيف في مستويات ما دون 35.00 دولار منذ السادس من هذا الشهر يناير، ليصل بذلك إلى أدنى مستويات له منذ عام 2004. كذلك، انخفض مزيج برنت ليتداول أيضاً في مستويات ما دون سعر 35.00 دولار، وقد تداول حالياً في مستويات حول سعر 33.55 دولار للبرميل الواحد.

شركات التنقيب عن النفط تتأثر سلباً وبشكل كبير من انخفاض أسعار برميل النفط، وقد يسبب ذلك بالتالي إفلاس بعضها وحالات تسريح عمل كبيرة في بعضها الآخر. من ناحية الدول، فالدول تتأثر بشكل مباشر وكبير في انخفاض سعر برميل النفط، خصوصاً الدول المنتجة مثل روسيا وإيران، ولا يستثنى من ذلك دول الخليج أيضاً.

انخفاض أسعار النفط مترافقاً مع الضعف الكبير في الاقتصاد الصيني قد يزيد الضغط على النمو في الاقتصاد الدولي، بل وانخفاض أسعار النفط يجعل مستويات التضخم منخفضة في وقت نجد فيه أسعار الفائدة في أغلب البنوك المركزية في العالم متدنية جداً، وهذا يسبب قلقاً لدى صانعي السياسة المالية والنقدية في البنوك المركزية، وذلك لأن انخفاض التضخم الكبير يهدد النمو الاقتصادي أيضاً.

من هنا نلاحظ بأن انخفاض سعر برميل النفط قد تكون مخاطره أكبر بكثير من ارتفاعه، فعلى المدى القصير، سوف يستمتع المستهلك في أسعار الطاقة المنخفضة، لكن بعد ذلك، سوف نلاحظ بأن حالات ارتفاع البطالة تضغط على الإنفاق في الدول الناشئة، مما يسبب عودة الانخفاض الكبير في الإنفاق، وهنا يجد المستهلك نفسه غير قادر على الوفاء بالمتطلبات الحياتية حتى مع الانخفاض في أسعار المستهلكين وانخفاض التضخم.

عندما ننظر إلى روسيا وإيران وفنزويلا إلى جانب نيجيريا والأكوادور والبرازيل، سوف نرى بأن هذه الدول تعاني في الأصل من ضعف اقتصادي كبير لأسباب متعددة، ومع انخفاض أسعار النفط، سوف تواجه تلك الدول المنتجة للنفط مزيداً من الضغوط مهدداً إياها في الانكماش، وهذا ينعكس أيضاً على الاقتصاد الدولي.

دخلنا في دورة يجب كسرها
انخفاض سعر برميل النفط يسبب تباطؤ أكبر في الاقتصاد الدولي، وتباطؤ الاقتصاد الدولي يسبب انخفاضاً في طلب النفط مما يسبب مزيداً من الضغط على الأسعار. هذه الحقيقة تجعل من الاقتصاديين قلقين تجاه دائرة انخفاض سعر برميل النفط، حيث أن استمرارها سوف يودي في الاقتصاد الدولي إلى أزمة اقتصادية جديدة.

أشارت المملكة العربية السعودية سابقاً بأنها لو قامت بالاتفاق مع منظّمة أوبك على خفض الإنتاج، فإن تأثير ذلك لن يكون كبيراً على أسعار النفط، وسوف تعود الأسعار للانخفاض، وهذا ما جعل المملكة العربية السعودية والعديد من الدول في منظّمة أوبك تحافظ على مستويات الإنتاج وتفضيل الحفاظ على الحصة السوقية.

كذلك، نلاحظ بأن العديد من الشركات بدأت تصرخ مستغيثة من انخفاض أسعار النفط، فانخفاض أسعار النفط سبب انخفاضاً في العائد، بل وقد وصلت بعض الحقول لاستخراج النفط لمستويات تعتبر غير مجدي الاستخراج منها، وهذا ما هدد بإقفال تلك الحقول النفطية.

الدائرة التي تم دخولها من انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الدولي يجب أن يتم كسرها بأي طريقة الآن حتى لا تستمر المشاكل الاقتصادية! فانخفاض أسعار النفط في مستويات مرتفعة سعرياً مثل مستويات حول 50 أو 75 دولار، يعتبر جيداً للمستهلك ولا يؤثر كثيراً على الاقتصاد الدولي. لكن، وصلنا الآن لمشارف الـ 30 دولار للبرميل الواحد، وهذه المستويات تشكّل خطورة كبيرة على الاقتصاد الدولي.

الحل سياسي أم اقتصادي؟
لا يمكن الفصل بشكل تام بين الاقتصاد والسياسة في العالم، ومن هنا يجب أن يكون هنالك تدخلات سياسية لإيقاف الانخفاض في سعر برميل النفط خشية حصول مشاكل اقتصادية عظيمة. قرارات خفض الإنتاج قد لا تكون هي الحل، وهذا ما أكدته المملكة العربية السعودية سابقاً، فالحل السياسي يجب أن يشمل أيضاً وضع حدود للمتاجرة في السعر السوقي لعقود النفط الآجلة من قبل المضاربين، وهذه حالة شهدناها عندما ارتفع سعر برميل النفط لمستويات فوق 140 دولار، حينها تم وضع بعض القيود على المتاجرة من خلال رفع تكاليف المتاجرة في العقود الآجلة لأسباب المضاربة.

لا نستبعد خلال الفترة القادمة تصريحات خاصة للحد من المضاربة في أسعار النفط، لكن أيضاً يجب أن يكون هناك تحفيزات اقتصادية للعالم حتى يعود الطلب على النفط للارتفاع، ويجب أن يترافق ذلك مع اتفاق بين منجي النفط والمستوردين لتقليل المنافسة وتحسين استقرار الأسعار.كذلك، لا يجب استبعاد تدخلات في أسعار برميل النفط في أسواق العقود الآجلة.

لكن، حتى هذه اللحظة، لا تظهر أي معالم وحقائق لمتغيرات تستطيع رفع سعر برميل النفط، مما يبقي على فرح المستهلك على المدى القصير، والمخاطر الاقتصادية الكبيرة على الاقتصاد الدولي على المدى المتوسط والبعيد.

 

المصدر: ICN

 

}

Currency Exchange Rates

currency sell buy
USD 524.00 527.00
GBP 705.67 710
SAR 138.00 139.00
EUR 642.06 646

تقارير ومقالات